الاثنين، 3 يونيو 2013

الجزء الثاني - الربا وما أدراك ما الربا

بعد تقديمنا للمدخل العام في هذه القضية :
رابط الجزء الأول :
http://oulou-albab.blogspot.com/2013/05/blog-post.html

يأتي الجزء الثاني :
مبدئيا نطرح التساؤلات التالية، وطبعا سنقدم أجوبة عنها من خلال تصورنا الشخصي والمبني بالدرجة الأولى على القرآن كمصدر رئيسي، كونه تطرق للربا بشكل يسمح لاستنباط معلومات نسبيا كافية لتأسيس مفاهيم مستقلة بذاتها، وهنا طبعا سوف نضع في اعتبارنا مبدأ أن "القرآن يفسر بعضه بعضا"، وهي قاعدة آمن بها السلف و للأسف لم يستخدموها إلا نادرا، و شخصيا أؤمن بها كأداة للتفسير مهيمنة على باقي الأدوات الأخرى.

السؤال الأول :
ما الفرق بين القرض و الدين ؟

السؤال الثاني :
هل الربا متعلق بالقرض أو بالدين أم بهما معا ؟

السؤال الثالث :
ما علاقة الربا بالصدقة ؟

السؤال الرابع :
ما علاقة الربا برأس المال ؟

لنتطرق أولا إلى مصطلح الربا كما ورد في القرآن الكريم.

فإذا كان الربا مصطلحا قرآني بالدرجة الأولى، فلا يليق بل لا تستقيم أي معرفة تتجاهل السياق القرآني الذي يبقى مهيمنا على أي معرفة من مصدر آخر.
وإيمانا منا بأن ما من مصدر معرفي ديني يعلو على القرآن، فأي معرفة لمصطلح قرآني بعيدا عما جاء في كتاب الله حوله، هو تجاهل لا يقبل به مؤمن صادق.

قبل ذلك، لنستعرض ما جاء في الفقه حول الربا.

الربا في التعريف الفقهي :

لغة : الزيادة.
قال تعالى : أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ                         (92) سورة النحل

اصطلاحا : زيادة مخصوصة لأحد المتعاقدين خالية عما يقابلها من عوض.

وستجد اختلافا في التعريفات بحسب المذهب الفقهي.
وسنجد كذلك مصطلحات مرتبطة بأنواع الربا : ربا الفضل، ربا النسيئة، ربا الديون ، ربا البيوع...

هنا ودون الدخول في متاهات فقهية لن تشفي غليل الباحث الجاد، يجب أن نؤكد على شيء مهم وهو أن :

معظم إن لم نقل كل ما ورد في الفقه الموروث حول الربا أو المعاملات المالية بشكل عام لا يلزمنا في شيء لأنه تصور واجتهاد فقهي لقوم في زمنهم.

وعلى هذا الأساس، يجب ألا تخضع مفاهيمنا إلى تصورات واجتهادات إنسانية، وهذا ما يقع غالبا ويسبب خلطا لدى الناس في أمور دينهم.

ما يهمنا أن نشير إليه ونجعله في اعتبارنا هو الثابت بالنص.

في التالي سنحاول استنباط مفهوم أو مفاهيم مستنبطة قرآنيا وخالية من تأثير الفقه الموروث التي اختلطت فيه المفاهيم التاريخية بالاجتهادات المذهبية المتعددة.

دعونا نستعرض آيات الربا :

1.      

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ  قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(275) البقرة
هذه الآية تفرق بشكل قاطع بين الربا وكل شكل من أشكال البيوع، وفي كلا الاتجاهين.
وهذه إشارة واضحة إلى أن الربا ليس معاملة تجارية فيها بيع وشراء، والعكس صحيح، فكل بيع هو ليس بربا.
وهذا أول استنباط سوف يفيدنا في معرفة حقيقة الربا.

2.      
يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ  
(276) البقرة

هذه الآية تؤسس لعلاقة وثيقة بين الربا والصدقات، وهنا لم يكن اعتباطا ذكر "الصدقات" في نفس الجملة القرآنية التي تتكلم عن الربا !! وسيأتي فيما بعد تصورنا لهذه العلاقة وطبيعتها.
فهنا تقابل بين الربا الذي محقه الله، والصدقة التي ينميها سبحانه وتعالى.
وهذا ما يمكن استنباطه من هذه الآية.
وبهذه المناسبة، لا بأس من أن نقدم تعريفا للصدقة وهي :

عطاء غير مردود بقصد التعاون وفعل الخير.

نفس المعنى تطرقت له الآية التالية ونرى الزكاة في مقابل الربا، فهناك تحفيز من لدن سبحانه على إتيان الزكاة والابتعاد عن إتيان الربا ، و ما يجب على المتأمل أن يستجلي هو سر هذه المقابلة بين الربا والصدقة في الآية السابقة وبين الربا والزكاة في الآية التالية : 

3.      
وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ
(39) الروم  
وطبعا يمكننا أن نتصور مبدئيا نفس المقاربة، (فالزكاة في حد ذاتها تعتبر من الصدقات).

4.      
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ
(278) البقرة

طبقا للتفسير الموروث، فالآية نزلت في قوم أسلموا، ولهم على قوم أموال من ربا، كانوا أربوه عليهم، فكانوا قد قبضوا بعضه منهم، وبقي بعض، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية، وحرَّم عليهم أخذ ما بقي منه، وتوعد من يفعل ذلك بحرب من الله ورسوله.

وهنا مادامت المسألة تاريخية ومتعلقة بأسباب النزول، فلا يمكن أن نستقي أي معنى آخر ممكن، ويصبح سبب النزول متعلقا بزمن معين وبحالة معينة.

في هذه الآية لا يمكن أن نستنبط أي مفهوم يمكن أن يساهم في استجلاء حقيقة الربا.

5.      
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(130) آل عمران
سيأتي لاحقا سر تأكيد الآية على الأضعاف المضاعفة في الربا.

وطبعا ما دمنا نؤكد دائما أنه ليس هناك حشو في القرآن، وأن كل كلمة أو تعبير له دوره في الآية أو الجملة القرآنية، ف"الأضعاف المضاعفة" هو جزء مكمل لمفهوم الجملة برمتها، ولا يجب تجاهله بأي حال من الأحوال.

6.      
وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
سورة النساء
هنا تؤكد الآية أن الربا كان متداولا عند اليهود، وأنه كان منهيا عنه.
نلاحظ فقط تغير الصيغة وأصبح هناك أخذ للربا عوض أكل الربا.
وهنا لن نتوسع في تفسير تبدل الصيغة، وسنكتفي بقبول نفس المعنى الموجود.
إضافة إلى أننا يمكننا أن نستنبط من الآية العلاقة الوثيقة بين الربا وأكل أموال الناس بالباطل.  
الاستنباط الآخر، هو أن أخذ الربا أصله من معاملات اليهود، وهو ما أكده التاريخ.

انتهت الآيات التي تتطرق للربا، وسنطرح بإيجاز في التالي ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة.

ما جاء في الأحاديث أو الروايات سواء في البخاري أو مسلم، سنجد أنها لا تخرج عن التأكيد على تحريم الربا والنهي عنه دون التدقيق في مفهومه أو أنواعه، باستثناء القليل إن لم أقل واحدا يتكلم عن شكل من أشكال البيوع الذي اعتبره السلف ربا واختلفوا فيه، وهذا الحديث هو :

" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم" أخرجه البخاري.

فهذا الحديث إن صح، فيه نهي عن شكل من أشكال التجارة الفاسدة.
ونحن نعلم أن في التجارة أشكالا عديدة من المعاملات الفاسدة كالاحتكار والاستغلال والتحايل والغش بجميع أنواعه.
لاحظ أنه لا وجود لذكر الربا، ولا أدري ما علاقة هذا الحديث بالربا.

وأعتقد أن هذا التساؤل هو ما دفع لتغير الصيغة عند مسلم في الحديث التالي :

" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الأخذ والمعطي فيه سواء" أخرجه مسلم

ومثل هذه الروايات سنجد الكثير منها في "الصحيحين" وفي غير "الصحيحين" وبصيغ مختلفة، وكلها أدرجت في باب الربا  !!!

وكثرة الروايات التي لا تخرج عن نفس المعنى ولكن بصيغ مختلفة، تجعل المتأمل يتيه ويجهل الصيغة الأصلية !!!

الملاحظ هو أن معظم الروايات إن لم أقل كلها تتكلم عن النهي عن شكل من أشكال البيوع، لا عن الربا، والاعتماد على هاته الروايات التي في الغالب أصلها رواية واحدة أعتبرها لا تخص الربا، وذلك لأسباب  عديدة :

-         هل ما ذكر في الجديثين السابقين أو في الروايات الشبيهة بهما والتي هي في الأصل حديث واحد بصيغتين مختلفتين، هما كل ما قاله النبي (ص) حول الربا وأشكاله ؟؟؟

-         وإذا أخذنا الحديثين بعين الاعتبار، فهل يمكن أن نكتفي بهما و نجعل ما فيهما هو الشكل الوحيد للربا ؟؟

فنحن هنا إذاً أمام خيارين كلاهما مر !!!!
من جهة أخرى :

-         هل نقبل بما رواه البخاري، ونجعل النهي مقصورا على بيع الذهب والفضة بمثليهما ؟؟؟
-         أم نقبل بما رواه مسلم، ونزيد البر والشعير والتمر والملح ؟؟؟؟
-         هل نحصر الربا في الأصناف المذكورة في الحديث، كما قال بذلك ابن حزم ؟
-         أم نتبع ما قاله بعض الفقهاء الذين عمموا النهي عن كل أشكال البيوع بالمثل ؟؟؟؟

-         هل يمكن أن نعتبر في جميع الأحوال إن توسعنا أكثر في التحليل، أن ما ذكر في الحديثين مجرد فهم الناس في زمن معين لشكل من أشكال البيوع ترجم إلى روايات مختلفة في الصيغة ؟؟؟؟؟ كما هو الشأن لكثير من الروايات ؟؟؟؟

إن الاستنتاج الأخير، وكما سيلاحظ القارئ المتفكر، يعتبر الأكثر قبولا، وعلى أساسه يصبح معظم ما وصلنا حول الربا هو مجرد اجتهاد فقهي لا أقل ولا أكثر، وهو لا يلزمنا في شيء بخصوص قضية الربا وإن قبلناه خص شكلا من أشكال البيوع التي يجب اجتنابها، كغيرها من تلك التي تشكل ضررا ما ، والتي لا نص فيها، وذلك انطلاقا من القاعدة الفقهية : "لا ضرر ولا ضرار".

في الجزء الثالث إن شاء الله، سوف ندخل في صميم الموضوع، ونحلل ما ورد من مصطلحات مرتبطة بالربا وعلاقة بعضها ببعض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك، وكن من المتفاعلين...