الخميس، 21 فبراير 2013

الإعجاز و المعجزة

بسم الله الرحمن الرحيم  :

في وقت اختلطت فيه المفاهيم ، أصبح من الصعب تبيان بعض الأمور خصوصا لدى المسلم في تعاطيه لحيثيات بعض قضايا الدين، مما قد يكون لديه بعض الغموض الناتج عن خلط المصطلحات بعضهما ببعض مما يؤدي إلى استنتاج مفاهيم أخرى مغلوطة متعلقة بها، فصار من الضروري أن تكون هناك وقفة بين الحين والأخر من أجل تصحيح المسار.
سوف نحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على مفهومين كثيرا ما يتم الخلط بينهما وهما الإعجاز والمعجزة، من خلال توضيح الفرق بينهما وعلاقتهما ببعضهما البعض.

نقدم هذه الدراسة المختصرة، والتي تعتبر الفريدة من نوعها (نسبة إلى درجة اطلاعي) من حيث طريقة معالجة الموضوع والخالية من أي نوع من الاقتباس أو النسخ، والتي أبين فيها معنى المعجزة وما يعتبر معجزة، ومعنى الإعجاز وما يعتبر إعجازا، دون الدخول في متاهات فلسفية أو لغوية، وبالاعتماد على مقاربة قرآنية بالدرجة الأولى.
مبدئيا ومن الناحية اللغوية، فمن البديهي أن هناك علاقة بين المعجزة والإعجاز وذلك كونهما مصدرين لنفس الفعل "أعجز".
كذلك فليس من الصعب إثبات الفرق بينهما ، فاختلاف  وزني المصدرين أبسط  دليل على اختلاف المعنى.
ولمن يريد التوسع في الدراسة، فكمقارنة يكفيه البحث في الفرق بين مصطلحين بنفس الوزن، وكمثال : المشكلة والإشكال.
من الناحية اللغوية :
عجز الإنسان عن الشيء : لم يستطع إتيانه أو فعله.
ويصدق ذلك قوله تعالى :
أعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي
أَعْجَزَ:  جعل الآخر عاجزا أي غير قادرٍ على إتيان شيء.
ويصدق ذلك الآيات التالية :
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ
فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا
وهنا يوضح جل جلاله وينفي أن يعجزه أحد من خلقه ولا شيء في السماء ولا في الأرض.
في حين إعجاز الله للبشر أمر وارد وبديهي.
ولا حاجة للتوسع لغويا، لأنه لا اختلاف يذكر في المعاني السابقة.
وخير الكلام ما قل ودل.
في حين يبقى توضيح الفرق بين المعجزة والإعجاز أمرا أساسيا لإزالة الإشكال الموجود لدى بعض الناس.
فالإعجاز يعني إثبات العجز، والعجز: ضد القدرة، وهو القصور عن فعل الشيء.
أما المعجزة فهي الأمر الخارق للعادة والمقرون بالتحدي وهو سالم عن المعارضة.
وعلى ضوء ما قلنا، نأتي إلى تبيان الفروقات بينهما من خلال هذه المقارنة التالية :
المعجزة :
-         حدث معين أو فعل معين أو قدرة معينة في زمن معين، ولذا يمكن القول بأنها ظاهرة زمكانية.
-         المعجزة حسية وترتبط بعناصر معروفة ومناسبة لعصر وقوعها، تمكن من استشعار مواطن الإعجاز فيها.
-         خصت الأنبياء دون غيرهم.
-         المعجزة تحدي للبشر بأن يأتوا بمثلها.
-         أتت في القرآن بصيغة "آية".
-         زمن المعجزات هو منتهي، لانتهاء عصر النبوة.
وكل الأمور الخارقة التي حصلت للأنبياء والتي ذكرت في القرآن هي معجزات بكل المقاييس، وهي صريحة ولا شك فيها.
وهي ضرورية ولا مناص منها لإثبات النبوة والدعم الإلهي للأنبياء.
وهدفها الرئيسي إن لم يكن الوحيد هو إثبات النبوة وإلهية الرسالة ، وبالتالي إقناع الناس بإلهية ما يُبَلَّغون به من طرف الأنبياء والرسل.
وهي أقوى وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وإقامة الحجة على من يشهدها فقط دون غيرهم.
وإذن فهي ظاهرة زمكانية محدودة.
أما مسألة التسمية فأرد على من يفضل أن يسميها آية بقولي : المسألة برمتها اصطلاحية وليس هناك خلاف، فكوني أسميها معجزة، فذلك لأنه - وكما هو معروف - ليس هنا مدلول واحد لكلمة آية، وبالتالي فليس من الأوجه والأقوم أن نطلق "آية" على الأمر الخارق، وتصبح كلمة "معجزة" هي الأنسب.                                      
الإعجاز :
-         ظاهرة لا ترتبط لا بالزمان ولا بالمكان. ولذلك فالإعجازهو مستمرالحدوث ومنه ما هو أزلي بل ومتجدد عبر العصور.
-         الإعجاز معنوي بطبعي.
فالإعجاز لا يجسده حدث عيني، وإنما هو تصور معين يقبله عقل معين نسبة لمعرفته.
-         هناك إعجاز نسبي وإعجاز مطلق.
-         الإعجاز المطلق هو إلهي فالقرآن هو الوحيد الذي يتصف بهذا النوع من الإعجاز كونه كلام الله.
-         الإعجاز النسبي هو بشري بطبعه وهو ما تعرف به الخوارق الإنسانية، والخوارق هي قدرات بشرية جسمية أو عقلية ممنوحة لأناس معينين هدفها إظهار قدرة الله عز وجل في خلقه. والفرق هو أنها تتسم بالاستمرارية، فما يلبث أن تظهر عند أحد حتى تتوفر عند الآخر.
ملحوظة : ما قلنا سابقا ليس للحصر ومن الممكن إضافة نقط أخرى.
فالفروق بين المعجزة والإعجاز يمكن إيجازها في :
-         استمرارية الإعجاز و توقف المعجزة
-         حسية المعجزة ومعنوية الإعجاز
-         استحالة إنكار المعجزة  وإمكانية ذلك بالنسبة للإعجاز.
وأبسط مثال هو أن أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، بغض النظر عن تأكيدنا له، ليس مهضوما من طرف كل المسلمين !! فالأمر راجع لمدى تقبلهم لهذا النوع من المجاز وهو ليس متاحا إلا لمن له أرضية معرفية بالقضية المتعلقة بالإعجاز.
أما المعجزة فلا يمكن أن ينكرها إلا الأحمق طبعا.
في الأخير ولكي نعطي نتيجة ملموسة لهذه الدراسة، نقر التالي :
·        ما يعتبر معجزة الرسول محمد (ص) هي معجزة الإسراء والمعراج، وهي ما أقرها القرآن الكريم بوضوح.
·        انشقاق القمر وانسلال الماء بين يدي النبي، مشكوك في حدوثهما لكون مصدرهما ظني (من الروايات)، والمعجزة حدث كبير لا يمكن إلا أن يكون يقيني المصدر أي من القرآن الكريم.
·        القرآن الكريم ليس معجزة كما يظن البعض في قولهم أنه جاء كمعجزة بلاغية لقومه.
فهذا كلام لا يستقيم كون القرآن هو للعالمين، وإعجازه لا يجب أن يتوقف في البلاغة وفي قومية المتلقي.
ثم استشعار البلاغة ليس متاحا للكل، حتى في أيام البعثة.
وبما أن المعجزة تتطلب عدم إنكار أي شاهد لها، فالأمر لا يتوفر هنا.
وما يقال عن القرآن الكريم هو أكثر من كونه معجزة، فهو فيه أوجه إعجاز كثيرة من إعجاز علمي وإعجاز بلاغي وإعجاز تاريخي وإعجاز منطقي وغيرها من أنواع أخرى عرفناها ومازلنا نجهل أخرى.
وإذا وصفنا القرآن بالمعجزة فقد حددنا زمن إعجازه ومكانه ونزعنا عنه الاستمرارية، فالقرآن لا تنقضي عجائبه.
وبالتالي فالإعجاز هو خير ما يوصف به.

هناك 5 تعليقات:

  1. بارك الله فيك اخ وديع على الموضوع الجميل جدا ..
    فهو واضح ودقيق ويزيل اللبس بأيسر الطرق ..
    بارك الله فيك ..

    أخوك / الرحباني الباحث (تلميذ من تلاميذ الاستاذ الوراق) .

    ردحذف
  2. شكرا أخي الرحباني على كلماتك الجميلة, وأتمنى أن اقرأ تعليقاتك على المواضيع الأخرى.
    وشكرا جزيلا...

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا بارك الله فيكم
      هل يمكنكم تزويدي بمصادر بحثكم لافادتي
      وبارك الله فيكم

      حذف
  3. لدي مدكرة حول
    الاعجاز

    ردحذف

شارك برأيك، وكن من المتفاعلين...