الخميس، 21 فبراير 2013

محاولة لفهم السنة الحقيقية


بسم الله الرحمن الرحيم  :

إلى كل الحيارى من المسلمين الذين اختلطت لديهم الاوراق في معرفة السنة النبوية الشريفة...

إلى المغرر بهم سواء كانوا من المحسوبين على "أهل السنة والجماعة" أو الشيعة أو الفرق او المذاهب او الجماعات، الذين يعتقدون ان السنة هي كل ما روي من اقاويل وأفعال ظنية منسوبة إلى رسول الله للبشرية جمعاء حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام.

إلى الباحثين عن الحقيقة والتائهين وسط المذاهب والطوائف والموروث الصالح منه والطالح....

إلى كل من لا يجعل لله أندادا ولا لكلامه مثلا...

إلى كل من يمجد كلام الله ومنهج نبيه في تطبيقه..

إلى كل من يحترم العقل و المنطق...

أقول وبسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء :

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي

 
عبر التاريخ وفي تفاعلِ البشرِ مع جميعِ الرسالاتِ السابقة، كان من عادتهم في تعامُلِهِم مع منهجِ اللهِ تعالى الابتعادُ عن حقيقةِ ما أنزلَهُ سبحانه، واستبدالُ ذلك المنهجِ الحقِّ بتاريخٍ يُعطَي قُدسيَّةَ لهذا المنهج تزداد مع مرورِ الزمن.

وهذا ما حصلَ في كل تلك الرسالات فقد تم الجحودُ أولاً عَبْرَ تغطيةِ حقيقةِ منهجِ اللهِ تعالى ، ثمّ بعدَ ذلك يتحوّلُ هذا الجحودُ إلى منهجٍ يُقَدَّمُ على أنّهُ عينُ منهجِ اللهِ تعالى ..

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 

والفارقُ بين رسالةِ الإسلامِ التي أُنزِلَتْ إلى البشريّةِ جمعاء ، عَبْرَ الرسولِ محمّدٍ (ص)، وبين الرسالاتِ السابقةِ ، أنّ اللهَ تعالى في رسالةِ الإسلام تكفَّلَ بحفظِ المنهجِ ( كنصٍّ ) إلى قيامِ الساعةِ .. وبالتالي لا سبيلَ إلى تحريفِ هذا النصِّ ( القرآن الكريم ) ، ولا سبيلَ إلى تحريفِ الشعائرِ التي أتتنا حياةً تعبديّةً عاشتها الأمّةُ بأكملِها ، جيلاً بعد جيلٍ ، بعيداً عن رواياتِ التاريخِ ، حتى تلك المنسوبةِ إلى الرسولِ (ص)..

 
فالالتفافُ الذي تمّ عَبْرَ التاريخِ على بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ، كان عَبْرَ تلفيقِ بعضِ الرواياتِ ونسبِها إلى الرسولِ ، وإدخالِها تحتَ ظلالِ مفهومِ السُنّةِ ، ومن ثمّ عَبْرَ حلولِها مكانَ بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ..

 
والذي يرفض هذا الكلام إنما يرفضُهُ لأنّه لم يقرأ التاريخَ قراءةً مجرّدةً من عصبيّاتِه الطائفيّةِ والمذهبيّةِ ، ولأنّه وقع ضحيّةَ الخَلْطِ بين السنّةِ الشريفةِ ، وبين رواياتِ الأحاديثِ التي هي في النهايةِ – كما سنحاول اثباث ذلك إن شاء الله من خلال مشروعنا الرئيسي لتقويم موروثنا الإسلامي – رواياتٌ تاريخيّةٌ فيها من السنّةِ بمقدارِ ما تتطابقُ مع دلالاتِ كتابِ الله تعالى ..

ولإلقاءِ الضوءِ على هذا الخلْطِ بين السنّةِ الشريفةِ من جهةٍ ، وبين رواياتِ الأحاديثِ والتاريخِ من جهةٍ أُخرى ، لا بُدَّ من تعريفِ السنّةِ الشريفةِ ، وحدودِها ، وتبيان الفرق بينها وبين رواياتِ الأحاديثِ..

السنة : لغة واصطلاحا

السنة  :
-
لغة هي الطريقة والسيرة.
-
واصطلاحا : سوف تحول بقدرة قادر من طرف المحدثين إلى كل ما روي عن نبينا عليه الصلاة و السلام من أقوال أو أفعال وصفات خَلقية و خُلقية.

وللملازمة الموجودة بين الحديث والسنة، تطلق السنة على الحديث أيضا، وتستعمل غالبا بهذا المعنى.

وفي الفقه تطلق السنة على ما دون الفرض أي الحكم التكليفي المستحب.

هذا هو الموروث !!!!!!!!!!

لا ادري كيف يمكن لهذا الخلط في التعاريف ان ينضبط عند احد ؟؟؟؟؟
فترون أنه ليس هناك أي علاقة قوية بين المعنى اللغوي والمعنى الفقهي والمعنى الاصطلاحي الذي فرض علينا، اللهم ادراجهم ل"لأفعال" وهذا هو الاستثناء الوحيد الذي نراه مقبولا ومستساغا، غير أنهم بالغوا في ذلك ولم يفرقوا بين فعله صلى الله عليه وسلم كرسول وفعله كنبي وفعله كبشر..

وسيأتي التفصيل في هذه النقطة بالذات لاحقا..

وإتماما لمعنى السنة :

انظروا ماذا يقول الله سبحانه وتعالى عن كلمة "السنة" :

وندرج هنا بعض الآيات والتي تصب كلها في نفس المعنى :

قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ

﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾
﴿ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾
(
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا )

تعريف السنة اللغوي في الآيات كما جاء في التراث هو : العادة أو الطريقة والمنهج.
وإذا أردنا أن نكون أكثر تدقيقا، فعندما تكون سنة الخلق، فهي عادتهم وما اعتادوا عليه.
وإذا كانت سنة الخالق أو سنة الرسل فهي واحدة، إذن فهي الطريقة والمنهج .
وإذا لاحظنا فالسنة من طبيعتها أنها فعلية وليست قولية أي مرتبطة بسلوك وفعل وليس بتصريح وقول.

وبالتالي يمكن نستنبط التعريف الأصلح والأقوم لمصطلح "السنة" في قضيتنا المطروحة وهو :
 الطريقة أو المنهج المتبع من طرف كل الرسل منذ آدم إلى محمد عليهما السلام، والتي هي في الأصل منهج الله الواحد الأحد والذي لا يمكن أن يتبدل أو يتغير.
وعلى أساس هذه السنة أو هذا المنهج يتم تفعيل الوحي السماوي سواء كانت آيات القرآن بالنسبة للمسلمين أو بصفة عامة محتوى الكتب السماوية على أرض الرسالات.

وكما أشارت معظم الآيات فسنن الرسل هي سنة واحدة وهي نفسها سنة الله عز وجل.

ويمكن أن نعطي مفهوما آخر يصب في نفس المعنىالسنة منهاج النبوة الحركي من خلال الفهم الراشد للقرآن الكريم.

فمن اين أتت تلك المعاني الموروثة للسنة في ضوء ما قلنا سواء من الناحية اللغوية أو الدلالات القرآنية ؟؟؟

الفرق بين السنة والرواية :

من خلال تفسيرنا السابق لمدلول كلمة السنة والحديث، تتجلى لنا الفوارق بوضوح بين السنة والرواية والذي أدعو المعارضين قبل المؤيدين أن يتأملوها جيدا بحياد تام غير متأثرين ولا منحازين إلى فكر معين وبالاعتماد على منهجية علمية غير عاطفية :

الرواية بطبيعتها سهلة التحريف بخلاف السنة فهي غير قابلة لذلك بحكم طبيعتها الفعلية خصوصا إذا ربطت بالعامل الزمني. وعلى العكس فالرواية كالخبر كلما طال الزمن كان تغير محتواه حتميا مثله مثل الإشاعة.
وفي الرواية، بمجرد تبديل لحرف أو كلمة أو صياغة مختلفة يمكن أن يتغير المعنى تماما، وهذا ما يجعل التحريف واردا وسهل الحدوث.

ومن التجارب المعروفة التي أجريت في هذا الصدد، أن أتوا بمجموعة من الأشخاص و أخبروا الشخص الأول بنبأ يقوم هو بدوره بروايته لشخص آخر وهكذا دواليك حتى تصل إلى الشخص الأخير (وأظن أن عدد الأشخاص كان عشرة). وفي النهاية فحصوا رواية الشخص الأخير وقارنوها مع الرواية الأصلية فوجدوا اختلافا كثيرا وصل تقريبا إلى معنى معاكس !!!

-
و أما السنة فهي عمل النبي وفق منهج الله تعالى وفعله المستمد من وحيه عز وجل، وهي الأعمال التي تصدر عنه بصفته رسولا فقط..
فالموروث الحالي هو عبارة عما وصلنا من الرواة من أقوال و أفعال تعدت صفت النبي كرسول إلى صفته كبشر.

فنُقلت إلينا كل الروايات عنه كرسول و كقائد للجيش و كرئيس للدولة الاسلامية وكإنسان عادي.

وفي هذا الصدد اختلط ماله علاقة بالرسالة بما له علاقة بالحياة العادية والتي تمثل اجتهادا فرديا وليس من منطلق الوحي الإلهي.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها ما يتعلق بعتاب الله لنبيه في مواطن عدة، والتي تؤكد أن ما فعل لم يكن وحيا وإنما تصرفا من بشر عادي (قصة النبي مع ابن مكتوم، وقصته مع أزواجه، ....) ولنا مقال مفصل في هذا الأمر.
ومنها ما أفتى به النبي من مسائل لم يكن إتباعها بالأمر الناجع، كمسألة تأبير النخل، فما كان منه إلا أن نصح قومه بتدبير شؤونهم وفق علمهم بذلك وهذا ما وصلنا عنه صلى الله عليه وسلم لقوله "انتم أعلم بشؤون دنياكم".
وهذا مجرد دليل يلزم المخالف بما يعتقد.

وكأمثلة مما يدخل في مجال السنة، نجد الحياة التعبدية المفصِّلة لأحكام الصلاة والزكاة والصيام و مناسك الحج، فهي من سنة رسولنا الكريم المستمدة من الوحي الإلهي المشرع الأول والوحيد لهاته العبادات.
إن هذه السنة لم تتبدل ولا يمكن لها ذلك، والدليل هو عدم وجود خلاف عليها منذ تشريعها وإلى حد الآن.

أما إذا أردنا أن نعطي مفهوما آخر أوسع لمفهوم السنة وهو لا يتعارض مع التعريف السابق بل يشمله ويحتويه، فيمكننا أن نقول أنها : سنة الله المبثوثة في الكون و التي تضمن للإنسان أن يسير على بصيرة من أمره في كل مجالات الحياة.

ودين الله الذي يشمل هذه السنة وهو الإسلام الذي ينبني على اليقين ولا شيء غير اليقين هو المحرك الأساسي لحركة التاريخ و الحضارة.

من هذا المنطلق واعتمادا على ما قلنا وبيننا بالدليل والبرهان، ليس هناك أي أساس لاعتبار كل ما وصلنا عن النبي (ص) من روايات هي عين السنة.
بل هي مجرد روايات منسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعيار صحتها الأساسي هو مقاربتها بالمرجعية القطعية المتوفرة لدينا وهو القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه.

أما السنة فلا علاقة لها بهذه الروايات التي تعتبر ظنية ومعرضة للتحريف الذي طالها ولم يستطع علماء الحديث بمنهجهم وللأسف أن يلموا بأنواع التدليس والتحريف فيها.

فسنة رسولنا الكريم هي نفسها سنة الرسل من قبله وهي نفسها سنة الله التي لا يمكن أن تتبدل أو تتغير أو تتحول.

والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك، وكن من المتفاعلين...