بسم الله الرحمن الرحيم :
كانت مراجعة الموروث
الديني والإسلامي بالخصوص دائما محط اهتمام المفكرين الإسلاميين ومنذ عصور بعيدة.
لكنها
في المقابل كانت تتسم بالاحتشام وضعف الاصرار والتصميم، فكانت نسبة المقبلين على
هذا الدور الإصلاحي قليلة نسبيا.
وأسباب ذلك كثيرة أهمها ودون أن ننتطرق إلى الأشواك المحيطة
بهذا الموروث والتي تجعل الاقتراب منه خطرا في حد ذاته، كون المهتمين بالحقل
الديني والدارسين للشريعة الإسلامية بالخصوص و الذين من المفترض أن يكونوا أكثر
المؤهلين لخوض معركة النقد والمراجعة، في غالبيتهم شبه مبرمجين على تقديس كل
التراث الإسلامي بشكل غير معلن وبتطبع مذهبي مع وضعه في نفس منزلة القرآن الكريم
كما لو أن واضعيه ليسوا بشرا.
فكان
استعدادهم للعملية النقدية منعدما وإذا وجد مس القشور وترك اللب.
وتفسير
ذلك في نظري راجع إلى أن المشتغل بالحقل الديني مر في فترة طلب العلم وفي عصر
الكراسي العلمية في المساجد يتتلمذ على يد شيوخ يلقنونهم بالملعقة وبطريقة تقليدية
يتم فيها حقن المعلومة بالتدريج وبشكل يصعب فيه تربية الحس النقدي، فكانوا يجعلون
من طلبتهم نسخا متشابهة.
وهنا
طبعا لا نتكلم عن الاستثناءات والموجودة في كل مجال، فالتاريخ شهد ومازال يشهد على
من خرج من قوقعة التمذهب وتحرر من فكر محدود إلى فكر يتجاوز آراء السلف.
فكنت
تسمع فلانا تتلمذ على الشيخ علان، ومازال بعض من يعيش في جلباب الماضي كأتباع
المدرسة السلفية يتكلم بنفس الأسلوب، فالميزان الذي يزن به مستوى مخاطبه العلمي هو
معرفة شيخه الذي تشكل النسبة الكبيرة من نقط الحكم على قيمته العلمية
والمعرفية !!
إضافة
إلى أن الشيخ كان وما زال بعضهم يختار للطالب حصريا المراجع التي لا يجب أن يخرج
عنها.
فكيف
لفكر يشب في قوقعة هي في الغالب مذهبية بل في حيز أضيق من المذهب كجماعة أو تيار،
أن يكون له أي حس للمراجعة أو النقد البناء؟
ولكن
ولحسن الحظ ومع التقدم التكنولوجي وفي عصر المعلومة أصبح نهل العلم متاحا وبسهولة
لا يمكن تجاهلها، وأصبح الاطلاع على جل ما أتى به التراث ممكنا، فتكونت بذلك
استقلالية فكرية لا يمكن إنكارها.
فلما
صار الحصول على المعلومة أسرع من طلبها، لم يعد هناك أي حاجز أو غربال يمنعك من
تجميع المعلومات ومقارنة بعضها ببعض مع دراستها بمعزل عن أي تأثير أو حكم مسبق.
وبفضل
ذلك ومع الثورة المعلوماتية أصبحت إمكانية تحقيق القاعدة المنطقية التي تقول
بالاستدلال قبل الاعتقاد، بعد أن كان العكس هو السائد ومازال خصوصا لدى المدرسة
السلفية التقليدية، وهذا نراه مخالفا لأصول المنطق و للمنهج الرباني القرآني الذي
لا يؤمن إلا بالبرهان ولا شيء إلا البرهان.
يقول
تعالى : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
يبقى التحدي المرفوع أمام كل مهتم بأي مشروع للمراجعة في
ظل واقع إسلامي طغت عليه سلطة السلف وسادت فيه ثقافة الرواية، هو إنشاء أرضية
خصبة تستطيع إزالة كل عقبة قد تمكن من إفشاله وكل مقاومة تحد من إمكانية
نجاحه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك، وكن من المتفاعلين...