الخميس، 21 فبراير 2013

الوحي وما أدراك ما الوحي..وعلاقته بالرؤيا

بسم الله الرحمن الرحيم :


من أجل قطع الطريق أمام كل من يستعمل الوحي لادعاء فكر أو تمرير خطاب كيفما كان عن طريق ربطه بالرؤيا بشكل متكلف ومتجاوز لقواعد العقل والمنطق المتوافقين مع المنظومة القرآنية، إليكم هذا الموضوع الذي يقرب المسلم من مفهوم الوحي من القرآن الكريم ويبين علاقته بالرؤيا من خلال مقاربة قرآنية عقلانية.
فلا يسعنا مبدئيا إلا أن نركز على أن الوحي هو مصطلح قرآني بالأساس ولا ينبغي أن نفهمه من منبع آخر غير القرآن ولكننا سنتطرق للتعريف اللغوي على سبيل الاستئناس وكدعم للمفهوم القرآني.

الوحي لغة  :
الإعلام في خفاء بسرعة، تقول: أوحيت إلى فلان إذا كلمته خفاء .

ومعاني الوحي هي كثيرة نستقيها من القرآن وهي  :

1 -  الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى أم موسى. قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[اقصص:7]

2 - الإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى النَّحل . قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].

3 - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء.
قال تعالى عن زكريا: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]. 
4 – أمر الله إلى الأنبياء والمرسلين، خصوصا مع النبي موسى :
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }
{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}
5 -  وسوسة الشيطان وتزيينه الشرَّ في نفس الإنسان. قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [ الأنعام: 121].

6 - أمر الله إلى الملائكة في قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [ الأنفال: 12].

الوحي شرعاً :
هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه بطريقة خفية سريعة، غير معتادة للبشر.

وفي ديننا الإسلامي :
الوحي هو ما نزله الله على رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام لتبليغه إلى العالمين وهو القرآن الكريم

في حين نجد أن هناك من يريد أن يقحم الرؤيا في الوحي، ويعتبره شكلا من أشكاله لا لشيء إلا لتوظيفه في تحقيق أهداف غير معلنة ولغرض معين.
فأبسط ما يمكن أن نقول عن ذلك أنه ليس هناك أي سند عقلي أو نقلي يدعم هذا الطرح وفق ما تطرق إليه القرآن.
فناهيك عن اختلاف السلف في معرفة كنه معنى الرؤيا لا من خلال تطرق القرآن لها ولا من حيث تداولها لدى الناس، تبقى الرؤيا في محل الغيب لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى.
وإذا أخذنا الأمثلة التي ساقها القرآن في كلامه عن رؤيا الأنبياء أو الناس نجد مثلا :
-          رؤيا النبي محمد (ص) حينما خاطبه تعالى بقوله :
وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا
والتي تتكلم عن رؤياه خلال رحلة الإسراء والعروج.
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
والتي صادق فيها الله ما رآه النبي بخصوص دخوله هو وأصحابه مكة.
فالرؤيا هنا ورغم أنها رؤيا نبي ولها ميزة خاصة جدا فهي لا تملك تلك القوة إلا من خلال تصديق القرآن لها وتفعيلها على أرض الواقع.
وبدون ذلك تبقى مجرد كلام دون قيمة حقيقية.
-          رؤيا النبي ابراهيم في قوله :
فهو اختبار لابراهيم وابنه من خلال إعلامهم بذلك عن طريق الرؤيا.
ولا يتعدى موضوع الرؤيا أي طرف ثالث غيرهما فليس هنا أي توظيف لها.
-          رؤيا النبي يوسف في قوله :
قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
فهي مجرد بشارة وتحضير لأمر هام وهو نبوة النبي يوسف.
وإذا لاحظ القارئ فلم تستعمل الرؤيا أو توظف لأي مصلحة أو قضية بل ظلت كذلك إلا أن تحققت على مكث من خلال نبوة يوسف وسيادته في عصره.
-          رؤيا الملك في قصة يوسف :
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ
فرؤيا الملك الذي أولها له النبي يوسف هي مجرد حلقة من حلقات منظومة القصة التي تكلمت عن رسالة يوسف و تدخل في تركيبتها. فوظفت الرؤيا لذلك وليس لأي سبب آخر.
فلم تكن الرؤيا وحيا من الله للملك بل مجرد مدخل لبداية تفعيل نبوة يوسف على أرض الواقع.
ثم للإضافة فحتى هاته الحالة الوحيدة لرؤيا شخص لا ينتمي إلى زمرة  الأنبياء، لم تُقدم كحالة مستقلة وتم ربطها بنبي وكأن الخطاب المقصود هو تكريس مفهوم أن الرؤيا هي مرتبطة بالأنبياء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ما أريد أن أهدف إليه من خلال تطرقي لهاته الأمثلة القرآنية، هو أن أبين أن الرؤيا لم توظف أو تستغل من طرف صاحبها لتمرير فكر أو فرض سيطرة أو هيمنة ما، او إعطاء مصداقية لكل كلامه.
فالرؤيا تبقى – في نظري - مجرد إعلام وتبشير بحدوث أمر وهي طريقة للإيحاء لا يطلب الموحي من الموحى إليه أي رد فعل تجاهها.
هذا دون أن نذكر أن للأنبياء حالة خاصة في تلقيهم للرؤيا والتي يمكن ان تأخذ منحى تفعيلي كما حدث بالنسبة للنبي ابراهيم وهي حالة خاصة جدا.
فعلى ضوء كل ما قلناه، لا يجوز اعتبار الرؤيا وحيا من الله أو أنه رسالة إلهية إلى المعني بالأمر يتطلب منه ردة فعل أو القيام بما يفعل هاته الرؤيا خصوصا ونحن نتكلم عن رؤيا الناس بشكل عام، وعلى اعتبار أن عصر الأنبياء قد انتهى.
وعندما نتكلم عن الرؤيا وعلاقته بالوحي بصفة خاصة وكما أشرنا لذلك في بداية الموضوع، فلأننا نقطع الطريق أمام من يستعمل هاته الورقة  لادعاء فكر أو تمرير خطاب كيفما كان، وذلك لأن الرؤيا هي الوسيلة الأكثر استعمالا إن لم تكن الوحيدة التي يوظفها من يدعون تلقيهم للوحي.

وعلى هذا الأساس، فلا يحق لأحد كان، سواء كانوا من جماعات كالقاديانية والأحمدية أو كمذهب تلقى تراثه عن طريق أئمة كمذهب الشيعة أو كانوا متصوفة أو أي أحد أن يدعي أنه يتلقى وحيا من الله عن طريقة الرؤيا أو أي طريقة أخرى بدعوى أن هناك من تلقى الوحي من غير الأنبياء وهو بالضرورة مستمر، وأن هناك من سيتلقى هذا الوحي و في أي زمن كان  !!!
فهذه مغالطة منطقية لا يقبل بها إلا من يرمي بقواعد المنطق والعلم والعقل ويدخل في غياهب الغيب الذي لا يملك مفاتيحه إلا الله عز وجل...
ويبقى في الأخير أن أذكر أن الوحي بجميع تعريفاته لم يكن ليكتسب وجوده وحدوثه لولا أن أخبرنا الله بذلك في قرآنه الكريم.. وبدون ذلك لما نكن لنتعرف على أي مفهوم له.
وعلى هذا الأساس نقر التالي :
الرؤيا يمكن أن تكون شكلا من أشكال الوحي في حالة الأنبياء فقط ولا يمكن أن تكون كذلك بالنسبة لغيرهم.
فصاحب الرؤيا هو من يعطي لما يرى تلك المصداقية وليس العكس !!
وبالتالي فرؤيا الناس هي ليست إلا أضغاث أحلام، صادفت الواقع في بعض الأحيان أم لم تكن، تبقى فقط حلما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك برأيك، وكن من المتفاعلين...