حقيقة معجزة الإسراء والمعراج

بسم الله الرحمن الرحيم :

في وقت ما زال يشكك البعض في حقيقة الإسراء والمعراج أو العروج، هل هو معجزة أم حدث عادي...

وفي وقت ينكر البعض الآخر وجود آية حسية في العملية ويكتفي بالإيمان بكون العملية تمت في المنام فهي بالروح دون الجسد...

يأتي هذا المقال مبينا وموضحا حقيقة معجزة الإسراء والمعراج مزيلا كل الشكوك ومصدقا لما خص به الله عبده محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرتكزين على الفهم الراشد للقرآن الكريم ومتدبرين إياه بقلوب وعقول ناضجة غير متأثرين بما حمله كلام السلف الذين اختلفوا في تأويل ذلك.

ملحوظة : هذا الموضوع موجه للمسلمين لأنه لامجال لمن ينكر أصلا دين الإسلام أو غيره في الاقتناع بهذه المعجزة ام لا، لأننا نعيش عصر ما بعد الرسالة وبقرون عديدة.

أولا : معنى الإسراء :

دون الرجوع إلى المعاجم اللغوية أو أية مراجع أخرى، فمعنى الإسراء واضح ليس فيه أدنى غموض مفتعل، فقد تم ذكره مرات عدة في القرآن الكريم وبنفس الصيغة.

يقول تعالى :

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُلِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ     الآية 1 من سورة الإسراء

أسرى بشخص : أي سار به إلى مكان آخر.

وقد وردت الكلمة في آيات أخرى :

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيفَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَاتَخْشَى

الآية 77 من سورة طه

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ      الآية 23 من سورة الدخان

والإسراء يكون في ستر وخفاء وغالبا ما يكون في الليل لتحقيق السرية في الأمر.

وهذا ما تؤكده الآيات السابقة عن موسى وقومه، فقد سار بهم إلى البحر خفية وطبعا فالليل خير وقت لذلك.

وذكر فعل "أسرى" مع كلمة "ليلاً" في مواضع مختلفة تدل على أن الإسراء هو ليلي بطبعه.

ومادام الإسراء هو عملية تكون في الخفاء، فلا يعقل أن نقول كما يظن البعض، أن الإسراء يمكن أن يكون أرضيا أو سماويا، لأن الستر والخفاء لا يمكن أن يتحققا جوا، وإلا ظهر للناس الأيقاظ علنا.

وهذا يجعلنا نستيقن أن الإسراء عملية سير أرضية تتم في خفاء وفي الليل.

وفي ضوء ذلك، فالمسجد الحرام الذي هو نقطة الانطلاق والمسجد الأقصى الذي هو نقطة الوصول، هما مكانين أرضيين، وهما مسجدين من نفس الماهية.

فلا مجال للشك أو البحث في ماهية المسجد الأقصى واختراع معنى ميتافيزيقي له، كما شطح به خيال بعض المتفيهقين.

ثانيا : معنى العروج :

ما دمنا نتطرق إلى العملية التي انتقل فيها الرسول إلى السماوات العلى، فنحن نتكلم عن العروج وليس المعراج.

والمعراج يبقى أداة ووسيلة العروج وقد روي أنه البراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل، ومن المفترض أن نقبل بذلك طالما ليس لمن روى مصلحة في الكذب في هذا الموضوع.
إضافة إلى أننا هنا لا تهمنا الأداة بقدر ما تهمنا العملية في حد ذاتها.

بالنسبة لآيات العروج، يقول تعالى :

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى  ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى  وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى  ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى  فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى  فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى  مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى  أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى  وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى  عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى  عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى  إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى  مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى  لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى    سورة النجم

هذه الآيات هي التي تتكلم عن عروج الرسول محمد (ص) إلى الأفق الأعلي حتى وصل إلى سدرة المنتهى.

وهذه العملية هي حركة سماوية خرق فيها الرسول (ص) السماوات إلى أن أصبح بينه وبين نهاية الكون قاب قوسين أو أدنى.

وهذه الحركة السماوية هي عروج. وهذا الوصف ذكره الله في كتابه مرات عديدة، وهو وصف دقيق للغاية  لأي حركة في السماء، أكده العلم الحديث وصادق عليه.

يقول تعالى :

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَاوَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ

ويقول كذلك واصفا تحرك الملائكة كذلك بالعروج  :

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍكَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ

والعروج حركة تتم في اتجاه غير مستقيم، ولذلك سمي الأعرج أعرجا.

نأتي إلى الكلام عن تصنيف العمليتين كمعجزة، ونقدم الدلائل على ذلك.

بالنسبة للإسراء :

الإسراء معجزة حسية انتقل بها الرسول بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والدلائل هي :

-         كلمة "سبحان" تدل على تعظيم الله كمقدمة لشيء جليل وغير متاح للبشر.

ومنطقيا هذا الشيء الجليل يجب أن يكون معجزا للبشر أن يفعلوا مثله، فالتحرك من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي هو بعيد (كان في فلسطين أم في مكان آخر) وهذا يدل عليه اسم "الأقصى".

-         كون الإسراء تم ليلا وبالتشديد على ذكر ذلك، معناه أن العملية هي جسدية  كونها تمت في خفاء وفي سرية.

ولن يكون هنالك معنى للسرية لو كانت العملية روحية أو على شكل رؤيا !!

-         لو لم تكن عملية الإسراء بهذا الشكل الذي وضحناه، فما قيمة ذكره أصلا في كتاب الله وبهذه الطريقة !!!

فالرؤيا لا يختص بها الرسل فقط بل كان معروفا أنها متاحة لغيرهم.

وحتى الإنسان العادي فهو يرى في منامه كل شيء لا يستطيع أن يبلغه في صحوه، فهو في منامه يطير ويصل بسرعة البرق إلى أماكن بعيدة ومناطق فسيحة، ويحصل على آمال و مطالب لا يبلغها أثناء يقظته.

بالنسبة للعروج :

طبعا لا يمكن أن ينكر عاقل أن العروج إلى السماوات العلى ليس أمرا متاحا لأي كان، بل لا بد من قدرة إلهية تسيطر على الأمر، و على هذا الأساس فهو معجزة بكل المقاييس.

وأما مسألة العروج هل هو روحي أم جسدي، فالأمر محسوم منطقيا وعقليا.

فما دام الإسراء في حد ذاته هو مقدمة للعروج، وليس هدفا في حد ذاته، فالعروج تم أيضا بالجسد كونه تبع الإسراء زمنيا.

فلا يعقل أن يتم الإسراء إلى المسجد الأقصى في زمن، والعروج في زمن آخر، وإلا لن تصبح للإسراء أية قيمة، وهذا يؤكده نفس الهدف المتوخى من العمليتين وهو أن يريه الله من آياته.

وعلى هذا الأساس فالعمليتان في حد ذاتهما هما عملية واحدة، الإسراء والعروج، وهي معجزة بكل المقاييس العلمية والمعرفية، وقول غير ذلك هو كإنكار الشمس في وضح النهار.

ومن يقول أن الرسول معجزته الوحيدة هي القرآن، فهو في نظري لا يفرق بين الإعجاز والمعجزة.

فالقرآن كتاب فيه إعجاز، وأما المعجزة فنقصد بها معجزة حسية يلحظها الناس وينبهرون بها لاستحالة وقوعها بالنسبة لبشر عادي دون تدخل ما يملك فوق طاقة البشر وإمكانياتهم.

وفي رأيي لابد من معجزة لكل نبي أو رسول، لكي تكتمل منظومة الوحي الإلهي.

فأي معجزة نبوية حسية دورها الرئيسي هو إثبات ألوهية الوحي الموجه إلى النبي أو الرسول ونفي البشرية عما يصدر عنهم.

وأدوارها الأخرى هي أنها تشد أزر النبي أوالرسول وتثبت به فؤاده، وفيها امتحان للأتباع وفتنة للناس.

والإسراء كان هدفه الرئيسي هو إعجاز قوم الرسول محمد بتلك العملية، وهذا ما وقع حينما سألوه عن أشياء لا يمكن أن يعرفها إلا من قام برحلة إلى المسجد الأقصى حسب ما روي، وانبهروا حينما أجابهم بدقة.

فكانت هذه المقدمة ضرورية لكي تتبعها عملية العروج، فمن يصدق الإسراء لا بد وأن يصدق العروج.

هذا وفي النهاية، لا بد أن نؤكد أن الإسراء والعروج معجزة بكل المقاييس، لا يؤمن بها إلا كل مؤمن بالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا.